Image

حي الطريف وأرث العمارة النجدية


حيّ الطُّرَيف وارث العمارة النجديَّـة

 يقع حي الطريف في محافظة الدرعية على مسافة 20 كيلومتراً غرب مدينة الرياض. والدرعية، المعروفة قديماً بـ«العوجاء»، واحة غناء تتزين بالنخيل وترفل بالنسيج الفريد للعمارة التقليدية في نجد. وهي العاصمة الأولى للدولة السعودية، الى أن اختار الامام تركي بن عبدالله الرياض مقراً جديداً للحكم عام 1240هـ.
ترقد الدرعية وادعة في وادي حنيفة، الأكبر في شبه الجزيرة العربية، الذي يشهد حالياً نهضة بيئية ليصبح وجهة رئيسية للسياحة الداخلية، بعد أن كان مقراً آمناً للاستقرار الحضري منذ أقدم العصور. وذلك بفضل ما تمتلكه الدرعية من مميزات طبيعية، كالروافد والشعاب والأراضي الخصبة، الى جانب أنظمة الري التقليدية والعمارة النجدية.
تضم الدرعية عدداً من الأحياء التي تجسد مفهوم العمران الاسلامي المتميز بالخصوصية واحترام الجار، الى جانب المظهر العام للبيوت الذي يوحي بالحياة البسيطة والبعد عن البذخ، ويتوسط هذه الأحياء المسجد الجامع للعبادة والتلاقي والشورى. وفيها أيضاً عدد من القصور، مثل قصر سلوى الذي بناه الامام محمد بن سعود في القرن الثامن عشر وكان مسكناً للأمير ومنه تدار شؤون الدولة. وقد تعاقب عليه عدد من الأئمة الذين أدخلوا تعديلات عليه، وهو يعد اليوم نموذجاً للعمارة النجدية والطراز الطيني والحجري.
في العصر الاسلامي تبوأت الدرعية صدارة طريق الحجاج الى مكة المكرمة، ولهذا امتد سلطانها الى عدد من قرى وادي حنيفة. وقد ظهرت الدعوة الاصلاحية في ربوعها، وغدت مقصداً للعلماء، ونشطت فيها الحركة التجارية والاقتصادية.
 

لوحة متفردة
دخل حي الطريف دائرة الاهتمام العالمي بعد تسجيله في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو في 29 تموز (يوليو) 2010. وهو الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في القائمة، بعد موقع الحجر (مدائن صالح) عام 2008. وهما ضمن المواقع الثلاثة التي تتولى الهيئة العامة للسياحة والآثار استكمال اجراءات تسجيلها في القائمة، الى جانب جدة التاريخية التي تم تقديم ملف ترشيحها وستنظر فيه الدورة المقبلة للجنة التراث العالمي.
وتنفذ الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مشروعاً لتطوير حي الطريف الأثري، يشمل تأهيل شبكات المرافق العامة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي وتصريف السيول. كما يتم ترميم بعض المنشآت المعمارية، مثل القصور والمساجد ودار الضيافة وحمام الطريف.
وسيقام «متحف الحياة الاجتماعية» في قصر عمر بن سعود على مساحة 1100 متر مربع، لعرض جوانب الحياة اليومية والعادات والتقاليد والأدوات المستخدمة في فترة ازدهار الدولة السعودية الأولى، اضافة الى قاعة لعرض طرق البناء التقليدية وأساليب البناء بالطين على مساحة 1000 متر مربع. وسيتم ترميم 15 بيتاً تراثياً وتأهيلها للايجار اليومي لتوفر تجربة فريدة للزوار بالعيش في البيئة التراثية.
ويعتبر سور الطريف هو أيضاً لوحة معمارية متفردة، تعلوه أبراج ضخمة للمراقبة ويضم عدداً من القصور التي شيدت في عهد الدولة السعودية الأولى. وتتميز القصور في حي الطريف بقوة البنيان ومسقطها الرأسي الذي يتخذ شكل المربع، وترتفع غالبيتها حول فناء مركزي في وسطها. وتنوعت تصميماتها الأساسية وارتفاعاتها، فبعضها من طبقة واحدة مثل قصر ناصر، وبعضها من طبقتين تم تشييدهما حول الفناء الداخلي مثل قصر سعد، الى جانب قصور من ثلاث أو أربع طبقات مثل قصر سلوى.
ويتفق المؤرخون على أهمية السور التاريخية باعتباره من أهم الملامح العمرانية ودرعاً منيعاً للدفاع عن المدينة. وكانت له أهمية استكشافية لمراقبة تحركات العدو في أوقات الحرب، ورصد وصول القوافل التجارية في أوقات السلم، بالاضافة الى اطلاق الانذار المبكر لمواجهة أسراب الجراد الصحراوية. وتمثل البوابات الموجودة في السور المداخل والمخارج الوحيدة في البلدة لتوفير الأمان للسكان.
 
عمارة نجد
ثمة خاصية يشترك فيها حي الطريف مع فن العمارة التقليدية في الدرعية القديمة والطراز المعماري في نجد، وهي التقسيم الثلاثي، حيث كان «أستاذ» البناء قديماً يراعي أن يتوافر في البيت التقليدي قسم للرجال وآخر للعائلة وثالث للخدمات.
قسم الرجال، كما يصفه المهندسون المعماريون، هو قناة الربط الرئيسية بين الخارج والمنزل، يتوسطه باب خشبي يصنع من الأثل وجذوع النخل ويزخرف بالنقوش والألوان والحلي المعدنية. وفيه مجلس مخصص لاستقبال الضيوف يسمى الديوانية أو القهوة لدى أهل نجد، يحتوي على الكمار المحفور في الحائط وتعرض فيه دلال القهوة وأباريق الشاي، والوجار أو المنقد المخصص لايقاد النار لاعداد القهوة والشاي. ويعلو الديوانية الكشاف أو السماوة، وهي فتحة في السقف مهمتها سحب الدخان الناجم من احتراق الحطب. أما الليوان فهو ساحة أمامها قناة مفتوحة، في جوار المجلس، لاستيعاب أعداد اضافية من الزوار، كما يتم استقبال الضيوف فيه خلال الصيف نظراً لتهوئته واضاءته الطبيعية.
أما قسم العائلة فهو أكثر أقسام المنزل استخداماً، ويضم الفناء والأروقة والقبة وغرف النوم الأرضية. الفناء هو الساحة المكشوفة في المنزل التي تطل على جميع التفرعات، وهو يحقق أهدافاً مناخية وبيئية واجتماعية كبيرة، حيث يمثل طوال الليل وجزء من النهار خزاناً للهواء البارد وسط محيط من الهواء الجاف نظراً لتصميمه الفريد، ويوفر بيئة صحية نظيفة لسماحه بدخول أشعة الشمس الى عمق المسكن، اضافة الى حجبه الضوضاء. كما يحقق الفناء الخصوصية لأفراد الأسرة، ويتيح زيادة التواصل الاجتماعي بينهم عبر اللقاءات اليومية وفي المناسبات العامة كالأعياد والزواج. أما الأروقة فهي الممرات التي تحيط بالفناء من جوانبه الأربعة، وهي حلقة الوصل بين الفناء والغرف. وتكون هناك عادة غرفة كبيرة لها سقف مرتفع تسمى المصباح أو القبة، وتعد بمثابة صالة جلوس للعائلة، كما توجد في القسم العائلي غرف نوم بمساحات مختلفة.



القسم الثالث مخصص للخدمات، ويشتمل على المطبخ وغرف التخزين، وفي بعض المنازل على آبار وحظائر للحيوانات وصهاريج تماثل الحمّامات. وقد تكون هذه المرافق مشتركة بين أكثر من منزل.
وما زالت أبنية الطين في الدرعية صامدة في وجه التغيرات المناخية وعوامل التعرية. ساعد على ذلك البناء باللبن الطينيالمجفف في الشمس، كما زاد البيوت قوة استخدام الحجر الذي ظل شائعاً في نجد لبناء الأساس.
كانت الجدران تغلف بطبقات من الجبس ولبنات الطين وتسوى بلياسة طينية تخفي الحجارة عن الأنظار. ويعتبر طين الصلصال المكون الأساسي في طوب اللبن، وكان يستخرج من الأرض حيث مواقع المياه الجوفية. ويتميز طين الصلصال بخاصية الالتصاق التي تجعله مادة يصعب التعامل معها بتركيبتها الأولية، كما أنها قد تتفتت وتتصدع ما لم تعالج بمواد أخرى. لذا يخلط الطين بالتراب الناعم المترسب على ضفتي وادي حنيفة وبالتبن والقش. وتستخدم مادة الجبس البيضاء المصنوعة من الحجر الجيري ـ بعد حرقه وطحنه ـ في تبييض الجدران وتزيينها من الداخل والخارج، مما يكسبها مزيداً من الجمال والقوة والقدرة على تحمل الأمطار.
وتعد أخشاب الأثل والنخيل من العناصر الأساسية في البناء، نظراً لصلابتها ومقاومتها للتشقق. ويستخدم الخشب في الأعمال الهيكلية لصنع السقوف والعتبات العلوية والأبواب والنوافذ، مثلما كان متبعاً في أرجاء نجد. وكانت ألواح الخشب تستخدم في صنع الأبواب، وتحظى السقوف بعناية كبيرة لخطورتها. لذا كان يتم تسقيف المنزل بعوارض خشبية متينة من جذوع الأثل، ترص بشكل أفقي على حواف الجدران وتترك بينها مسافات تتفاوت من عشرة سنتيمترات الى عشرين سنتيمتراً. وفوق الأخشاب توضع سعف النخيل فتمنع بدورها تساقط الطين، الذي يوضع فوقها في طبقة تتراوح سماكتها من 15 الى 20 سنتيمتراً، ويدك بالأقدام ويترك حتى يجف، وبعد ذلك يغطى بطبقة طينية وأخرى مخمرة بالتبن لإعطاء السطح الخارجي خاصية عزل الماء.
حي الطريف، الخاضع حالياً لعمليات تطوير وتأهيل، سيكون مقصداً رئيسياً للسياحة السعودية والعالمية.


المصدر : http://goo.gl/9be5sp

تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا

0 التعليقات :

اخبار

مدونة الوان جنوبية ، قناة ، جنوبيات ، الوان جنوبية ، برامج ، مدونة الوان ، حصون ، شخصيات ، الوان ، ابها ، اندرويد ، ثقافة ، جنوبية ، فلكلور ، ادب ، هواتف ، قلاع ، صور ، فنون ، وثائقيات ، اثار ، مدونة جنوبية ، حضارات ، قبائل عسير ، سياحة ،طرب ، رقصات جنوبية ، فلكلورية ، خطوة ، رحلة ، التراث ، تاريخ ، حضارة ، اخبار ، مع ، ناريخ ، قصص ، امثال ، عسير

Social Icons

.

Featured Posts

.
Subscribe Via Email

Subscribe to our newsletter to get the latest updates to your inbox. ;-)

Your email address is safe with us!

حضارة وتاريخ

جميع الاقسام

أقسام المدونة :

بلوجر

زخرفة انجليزيه احترافيه

blockquote { display: block; margin-top: 1em; margin-bottom: 1em; margin-left: 40px; margin-right: 40px;
}

منوعات

صور ديكور


اخر التعليقات

الوان جنوبية. يتم التشغيل بواسطة Blogger.