«الثوب العسيري النسائي » يشهد إقبالا بعد دخول التطريز والألوان المتوهجة
أبها: فاتن الشهري
«الثوب - أو الزي - العسيري» شهد في الفترة الأخيرة إقبالا لافتا من قبل السيدات في عسير، بجنوب المملكة العربية السعودية، وذلك بفضل التطويرات الكثيرة التي أجريت عليه ليدرج ضمن الأزياء التي باتت النساء تميل إلى ارتدائها في الحفلات والمناسبات. وأدت التصاميم الجديدة، التي تعتمد على أنواع معينة من الخيوط وبتصميم متناهي الدقة، إلى نقل الزي العسيري التقليدي حقا من دائرة التراث الشعبي إلى واجهة الموضة الحديثة ولو بنكهة جنوبية.
وقد رصدت «الشرق الأوسط» بعض التطورات، منها: تغيير نوع القماش ليصبح الحرير الطبيعي من أهم صورها. وشرحت مريم عسيري، المهتمة بالتراث العسيري، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، الأمر قائلة: «كان الزي العسيري قديما يُلبس مع المنديل الأصفر والحناء التي تكسو الكفوف ليعكس أروع مظاهر عمق الثقافة العسيرية، إلا أن تطور الزمن لم يلقِ بذلك الإرث الثقافي نحو سراديب الماضي وخلف زجاج المتاحف، بل وجدت المرأة في جنوب السعودية في ملامح التطوير والتغيير طريقة تعيد هذا الزي إلى خزانتها لكي تتباهى به وبنقوشه في الحفلات والمناسبات».
وأضافت: «الزي العسيري يحمل الكثير من المؤثرات البصرية على الرغم من اختلاف أسباب ارتدائه واختلاف خاماته وألوان نقوشه، وهو ما زال يحمل قوة صارخة تعيد عبق الماضي وتصدر مفهوما جديدا لمعنى تطوير الأزياء التراثية».
وأبانت مريم الطرق القديمة في حياكة «الثوب العسيري» النسائي، قائلة: «عادة ما يكون الزي العسيري مصنوعا من القماش الأسود، ويختلف نوع ذلك القماش حسب إمكانات من ترتديه؛ فهو يتنوع ما بين القطيفة (المخمل) والقصب والقماش العادي، ويحاك بخيوط ذهبية تخالطه ألوان دافئة ليتدرج من اللون الذهبي المتوهج إلى اللون الأحمر، آخذا شكل الصفوف المتراصة عند الصدر والأجناب».
وأردفت: «هذا التناغم في الألوان والدقة في الحياكة والعدد الكبير من الخيوط المستخدمة في الزي العسيري أطالت فترة حياكته قديما لتستغرق 5 أشهر. والسبب أن حياكته كانت تعتمد على الخياطة اليدوية، وهذا فن تميز في إتقانه بعض الرجال البارعين قديما في حياكة الزي العسيري الرجالي، الذي اشتهر به رجال منطقة عسير وبأسماء محددة».
واستطردت العسيري في شرحها لتقول: «هذا، طبعا، لا يلغي وجود بعض الثياب النسائية العسيرية قديما.. وهي بسيطة ترتديها المرأة والطفلة بشكل يومي، وتعتمد على بعض التطريزات الخفيفة، وكانت أسعارها في ذلك الوقت بمتناول الجميع.. وفق خامة القماش وكمية الخيوط المستخدمة في حياكته».
وعن مسمياته، أوضحت مريم أنه «كان يطلق على الزي العسيري قديما مسمى (المكلف) أو (المزند)، ولعل السبب ارتفاع تكلفته المادية في ذلك الزمان». وأضافت: «كان الزوج قديما يجلبه لزوجته يوم زفافها إذا كان مقتدرا وميسور الحال، حسب مفهوم أبناء المنطقة قديما، وإذا عجز عن توفيره كان يستعيره ليعيده بعد الزفاف».
وعن الإكسسوارات المصاحبة للزي العسيري، أو الثوب العسيري، قالت مريم: «المنديل الأصفر الذي يصاحبه القليل من اللون الأحمر مكمل أساسي للزي العسيري، غير أن ارتداءه كان مقصورا على الفتاة العازبة؛ إذ كانت تلبسه الفتاة قبل الزواج.. وكان ارتداؤه علامة على ذلك، فيستطيع الناظر أن يفرق من خلاله بين المرأة المتزوجة والفتاة غير المتزوجة. وكانت المتزوجة ترتدي (الشيلة) السوداء، وهذه من العادات التعريفية قديما. وهناك إكسسوارات أخرى تضاف للزي العسيري، منها عصابة الرأس والحزام وأساور الفضة والخواتم التي كانت تلبس في الماضي عادة كشكل من أشكال الزينة».
وعن تأثر الزي العسيري بالمناخ في تلك الحقبة، أجابت مريم عسيري: «كان نوع القماش يختلف حسب اختلاف المناخ، ففي فصل الشتاء لا بد أن يكون القماش ثقيلا ليقي من البرد، أما في فصل الصيف فيعتمد القماش الخفيف وتقل تطريزاته».
من ناحية ثانية، رأت وفاء التاجي، هي مصممة أزياء سعودية، أن «عملية تطوير الثوب العسيري، كما تسميه العامة، لم تؤثر على مفهوم التراث وتاريخه، بل هي عملية رتوش بسيطة أخرجت الزي العسيري النسائي من دائرة الماضي ليصبح من الأزياء التي ترتديها المرأة في جنوب السعودية في اليوم الوطني والمناسبات والحفلات النسائية حتى بات عندهن موضوع منافسة».
وأضافت التاجي: «لم تعد المرأة ترغب في ارتداء الثوب العسيري بشكله القديم، بل هي اليوم تشارك في تصميمه ووضع لمساتها عليه كي يواكب الموضة ويأخذ شكلا حداثيا، فيتناسب مع العصر ومستجداته. ولقد جذب هذا التطوير كثيرين من زوار مهرجان الجنادرية العام المنصرم، ويومها أضيفت لخيوط الثوب العسيري المتوهجة بعض الشك (شك الخرز والزخارف) والتطريزات المحاذية لبعضها.. كما استعيض بالألوان الدافئة عن اللون الأسود، مما أعطى الثوب العسيري لمسة من الفخامة والحيوية».
وقالت سميرة المسعودي، الطالبة الجامعية: «إن الزي العسيري أصبح شكلا من أشكال الموضة التي تحرص المرأة في جنوب السعودية على ارتدائها، بالذات بفضل التطويرات التي أثرت إيجابيا على الزي من دون أن تمس بمضمونه التراثي». وأردفت: «لم يعد اللون الأسود طاغيا على الزي العسيري بعدما دخلت عليه ألوان مختلفة طاولت ألوان الخيوط المستخدمة في حياكته.. إن الألوان البني والأحمر والنيلي والبنفسجي من أبرز مظاهر التغيير الطارئة على الزي العسيري. والخيوط الذهبية المتوهجة مع تداخل خفيف للخيوط الفضية المتوهجة تتناسب مع اللونين البني والنيلي.. بينما يتناسب مع الخيوط الفضية المتوهجة التي يتخللها خيوط ذهبية متوهجة بسيطة اللونان البنفسجي والأخضر للقماش». وعن أبرز أنواع القماش المستخدمة اليوم، قالت المسعودي: «تفضل المرأة الحرير وذلك لجودته وتحمله ونعومته، كما أنه يعكس شيئا من الترف». وتابعت: «بعدما كان صنع الثوب الواحد يستغرق ما بين 4 و5 أشهر، ما عاد اليوم يحتاج إلى أكثر من أسبوع واحد لإتمامه». ثم أضافت: «أكثر من يتقن حياكة الزي العسيري حاليا أشخاص محددون من الجنسيات الوافدة وفي مشاغل خياطة معينة والنسوة من هؤلاء بالذات يتمتعن بمهارة فائقة في رصف وحياكة خيوط الزي من دون أن يتأثر القماش بكميات الخيوط المطروحة أو كثرة استخدام الماكينة على القماش». أما عن الأسعار فقالت إنها تتراوح بين 1000 و1500 ريال تبعا لكمية التطريز ونوع القماش والخيوط المستخدمة في الحياكة.
الشرق الاوسط
0 التعليقات :