قول نصـر اليسـيـر في نســب عسيـــــــر
اختلف النسابة في نسب عسير: فبعضهم عدهم عدنانيين، وبعضهم الآخر عدهم من الأزد من قحطان، وقسم ثالث عدهم من أحد الجرمين، ويخالطهم قبائل أخرى من الجرم الآخر، إما بالحلف أو بالغلبة والانصهار.
فقد ذكر صاحب كتاب إمتاع السامر أن عسير اسم حلف لقبائل شنوءة من الأزد، وتنقسم إلى إحدى عشرة قبيلة، وهم عسير السراة (بنو مغيد وعلكم وربيعة ورفيدة وبنو مالك) وعسير تهامة (رجال ألمع) ومن حالفهم من كنانة وخزاعة (1). كما ذكر أن والده أورد في كتاب "متعة الناظر": أن "عسير من ولد الأرقم بن عمرو بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الازد. أو أنه عسير بن عيسى بن شحارة، أو عسير بن عنز بن سالم بن عوف الأزدي، وقيل: إن عسير لقب لشنوءة (نصر بن الأزد)". قال صاحب كتاب إمتاع السامر: " وكل هذه الأقوال في نسب عسير تخالف الواقع حسبما أورد والدي، وصحح انتماءهم إلى قبائل شنوءة" (2).
أما هاشم النعمي، فقد ذكر أن عسير عدنانية، معتمداً على قولين هما:
أ- ما رواه الهمداني، المتوفى سنة 334هـ، في الجزء الأول من كتابه "الإكليل"، حيث أورد نسب عنز بن وائل فقال: " فأولد عنز بن وائل.... رفيدة وأراشة فأولد رفيدة ربيعة ومعاوية وعامراً وعبد الله وعمراً وحماراً فأولد ربيعة مالكاً فأولد مالك حريمة وتولباً وسلمان فأولد عامر بن رفيدة عبد الله ووهباً وإياساً فأولد عمر بن رفيدة سلمة وشقيقاً وتيماً وعبد الله فأولد أراشة بن عنز بن وائل عسيراً وقناناً وجندلة فأولد عسير مالكاً وتيماً فأولد تيم زهيراً وسلمة ومنهم بنو شيبة وعضاضة وبنو اللقاح". وذكر هاشم النعمي أن النسابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي رفع نسب عسير إلى عدنان مثل ما فعل الهمداني.
ب - ما رواه المؤرخ حسن بن أحمد بن عبد الله الضمدي (القرن الثاني عشر الهجري) نقلاً عن أبي الحسن أحمد بن محمد الأشعري في كتابه "التعريف بالأنساب"، والسيد الإمام محمد بن عبد الله، المشهور بأبي غلامة، في كتابه "روضة الألباب"، والملك الأشرف الغساني في كتابه "طرفة الأصحاب"، وأبي عبد الله النسابة في كتابه "الفلك المشحون في أنساب القبائل والبطون" و "كتاب جواهر التيجان في أنساب عدنان وقحطان"، من أن نسب عسير هو: عسير بن عبس بن شحارة بن غالب بن عبد الله بن عك بن عدنان.
وأضاف هاشم النعمي أن هذا لا ينفي أن هناك عشائر من الأزد القحطانية اختلطت بعسير عن طريق الحلف والمصاهرة والموالاة فغلب عليهم اسم عسير، كما هو الواقع في كثير من القبائل، ومن ذلك عشيرة صرد بن عبد الله الأزدي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعامله على أحواز جرش (3).
وقد علق تركي الماضي على ما أورده هاشم النعمي فقال: " ويجدر بي أن أدلي بما لدي من معلومات عن نسب عسير وهي مستمدة من عدة مراجع موثوق بها من كتب الأنساب العربية ومما يرويه الخلف عن السلف فإن معظم سكان هذه المنطقة من عسير، وعسير من الأزد" (4).
وللرد على من يقول: إن عسير تنسب إلى عدنان نقول: إنه لم يرد نسب القبائل التي تنتمي إلى عسير حالياً مثل مغيد وعلكم متسلسلاً إلى جد يدعى عسير. أما ما نقله محققا كتاب "إمتاع السامر بتكملة متعة الناظر" عن الأشعري وهاشم النعمي من أن مغيداً وعلكماً هما ابنا أسلم بن عليان بن عسير بن عبس بن شحارة ابن غالب بن عبد الله بن عك بن عدنان (5)، فيرد عليه بما يلي:
1- أن هناك اختلافاً بين النسابة في نسب عك بن عدنان، فبعضهم ينسبه إلى العدنانيين وبعضهم ينسبه إلى الأزد. وقد أورد تركي الماضي أقوال خمسة من النسابة الذين ينسبون عك بن عدنان إلى الأزد، وقد فصلها في مذكراته (6).
2- أن اسم عسير الذي أورده الأشعري في كتابه "التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب"، ليس الاسم الذي يطلق على قبائل عسير حالياً، فقد قال الأشعري في هذا الخصوص ما نصه: "عُسَيْر بن عبس وإنما سمي عُسَيْراً لأن أمه تمخضت به ثلاثة أيام وتعسر[ت] ولادته فسمي عُسَيْر[اً]" (7). ولا شك أن هناك اختلافاً بين عُسَيْرٍ و عَسِيرٍ.
3- قال الدكتور سعد عبد المقصود ظلام، محقق كتاب الأشعري، "التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب"، معلقاً على ما ورد في هذا الكتاب عن قبائل عك بن عدنان: " أثبت المؤلف نسب قبائل عك بن عدنان من ص 64 إلى صفحة 80 في الأصل أي في ست عشرة صفحة، بينما ذكرها ابن حزم في بضعة سطور- راجع الجمهرة ص 328، 329- وهذا كله زيادة. فلم تثبت قبائل عك على هذا التوسع، وقد راجعت أكثر المراجع فوجدتها قد خلت من هذا البيان وهذه الاستفاضة" (8).
ونقول: رغم توسع الأشعري في ذكر أنساب عك بن عدنان، لم يرد لديه ذكر لعلكم أو مغيد. مع ذكره أبناء أسلم بن عليان بن عسير. قال: " فمن ولد أسلم سهم والمغير وثوبان بنو سهم بن أسلم بن عليان بن عسير" (9). فلم يورد اسم علكم ومغيد في ذرية عليان بن عسير، رغم توسعه في ذكر قبائل عك بن عدنان كما ورد. وعلى هذا القول بأن أسلم بن عليان بن عسير هو والد مغيد وعلكم أمر غير صحيح.
4- أن القبائل التي تفرعت من عك بن عدنان، واستفاض في ذكرها الأشعري، لا وجود لها في الوقت الحاضر بين قبائل بلاد عسير. ولا يعقل أن تكون هذه القبائل الأربع (عسير السراة) فقط هي التي قطنت في مرتفعات السروات، بينما بقي باقي قبائل عك بن عدنان في تهامة اليمن.
أما المؤرخون والكتاب الذين ذكروا أن عسيراً لقب، فينقسم إلى أربع فئات:
الفئة الأولى، قالت إن عسيراً لقب أخذ من العسرة التي تتصف بها بلاد عسير. ولا نميل إلى هذا القول، لأن جبال السروات كلها عسيرة، فكيف اختصت القبائل المحيطة بأبها بهذه التسمية!
الفئة الثانية، يمثلها ما أورده أحمد بن حسن النعمي، محقق مذكرات متصرف عسير سليمان شفيق باشا الكمالي المعروفة بــ(عسير في مذكرات سليمان الكمالي)، قال من أنّ عسيراً اسم لحلف تم بين قبائل شنوءة وقبائل مذحج في عهد الملك شمر يرعش الحميري، وقد وجد هذا في نقوش أثرية. وقال: إن مؤرخي المنطقة ونسابيها، كآل الزميلي وآل الحفظي والمقدادي الحرجي، في كتابه (النجوم اللوامع من مختصر التواريخ والجوامع)، ذكروا أن عسير من شنوءة، وهو قول مستفيض متواتر ينقله الخلف عن السلف، ويقولون: إن عسير بن عامر هو لقب لعمرو بن مزيقياء مجمع معظم قبائل الأزد. وأضاف: وإلى ذلك ذهب عبد الله بن علي بن حميد في تاريخه المخطوط ( نهاية التحرير في تاريخ عسير)، فقد قال: إن اسم عسير لقب لعمرو بن عامر بن مزيقياء، وإن قبائله نزلت مع بني نصر في جبال شنوءة (10).
الفئة الثالثة، يمثلها ما أورده صاحب كتاب "إمتاع السامر" من أن "عسير: اسم لحلف لقبائل شنوءة، وبه سمي الجبل، ونسبت إليه القبائل الأزدية، فعرفت فيما بعد بقبائل عسير، وهي إحدى عشرة قبيلة، وينقسمون إلى قسمين: قسم يعرف بعسير السراة، وهم بنو مغيد، وعلكم ولدي أسلم بن عمرو بن ثمالة. وربيعة بن عمرو، ورفيدة بن عمرو، وبنو مالك بن كلاع ابن مالك بن نصر بن الأزد، والثاني هو عسير تهامة، وهم سبع قبائل ينتمون في مجموعهم إلى ألمع بن عمرو، وإلى الصيق بن عمرو، وعرفت قبائله بواديه الذي سُمّي به. وقد دخلت في عسير تهامة قبائل كنانة وخزاعة" (11). وهذا القول هو أصح الأقوال عندي، والاسم لايزال يطلق على تحالف هذه القبائل، وهي قبائل عسير السراة الأربع وقبائل رجال ألمع وقبائل محايل، سواءً في العرف القبلي أو في التقسيم الإداري حتى الآن.
الفئة الرابعة، ويمثلها ما أورده صاحب كتاب (قبائل عسير في الجاهلية والإسلام)، من "أن عسيراً لقب لجد عدد من قبائل الأزد وهو عمرو (مزيقياء) بن عامر (ماء السماء) بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. لأن عمرو بن عامر اتخذ من شنوءة مقراً له، مع عمه نصر ابن الأزد -الملقب بشنوءة -وشنوءة هي الجبال الواقعة جنوب باحة (شعار) شمال أبها بـ(15) كيلاً". ثم أورد كثيراً من الشواهد الشعرية التي تنسب عسيراً إلى عمرو (مزيقياء) بن عامر (ماء السماء) بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد (12).
ومما أورده المؤلف، قصيدة لأمير عسير، محمد بن علي بن سعيد بن هشام اليزيدي، قالها مفتخراً بعد أن تصدى للقرامطة عام 452هـ. ولكن المؤلف لم يستشهد بأهم الأبيات التي تسند قوله، حيث يقول مطلع القصيدة:
اجبنـي يـا ليـل متـى شمـسـك تـشـرق تـمـادى بـنـا الإدلاج والـقـلـب يـخـفـق
وسرنا وأضنى السير والركب موجف ومـدت بأسبـاب مهمامـة رتــق (13)
ولعلّ مما يؤيد ما ذهب إليه من تلك القصيدة بعض ما في الأبيات الآتية:
فالشاعر يتحدث عن "رجال من شنوءة"، أي من الأزد. وعن جد ... شنوءة فيقول: "فجدهم إن عاف برداً يمزق"، ويقصد عمرو بن عامر، الملقب (مزيقياء)، لأنه كان لا يلبس البردة مرتين، بل يعمد إلى تمزيقها بعد أن يلبسها مرة واحدة. ثم بعد أن تحدث الشاعر عن هذا الجد، أي عمرو بن عامر، قال: إنه "سمي عسيراً"، أي لقب بعسير.
وهذا أقوى الأدلة التي تدعم قول العمروي أن عسيراً لقب لعمرو بن عامر، وإن كان لم يذكر هذا الجزء من القصيدة للدلالة على صواب رأيه.
ورغم قوة دلالة الجزء الذي أوردناه من القصيدة، على أن عسيراً هو لقب لعمرو بن عامر، إلا انه يفهم من كلام المؤلف أن هذا اللقب أطلق على قبائل عسير منذ القدم. وهذا غير وارد لعدم شهرة هذا اللقب، إلا في السنين المتأخرة، مقارنة بزمن عمرو بن عامر، إذ لم يرد لقب عسير في كتب المؤرخين والرحالة العرب للدلالة على موقع عسير الحالية، إلا عند الهمداني، في الجزء الأول من كتابه "الإكليل". ومن الثابت أنه مر بالمنطقة في الربع الأول من القرن الرابع الهجري. ولو أن اللقب أطلق على تلك القبائل منذ زمن عمرو بن عامر لاشتهر قبل ذلك التاريخ. الأمر الآخر، أن لقب عمرو بن عامر المعروف هو (مزيقياء)، وهذا يؤكد عدم اليقين حول نسبة هذا اللقب إلى عمرو بن عامر، ولو كان لقباً له لاشتهر به، قبل اشتهار هذا الاسم كلقب لحلف قبائل عسير.
وعلى كل حال، وعلى افتراض أن (عسير) لقبٌ لعمرو بن عامر، إضافة إلى لقبه (مزيقياء)، تشير الدلائل إلى أن هذا اللقب لم يطلق على قبائل عسير إلا في فترة لاحقة.
وعلى هذا، الصحيح عندي، أن عسير ... قحطانيون، وليسوا عدنانيين. وهذا الاعتقاد أمر شائع بين قبائل عسير، أنهم أبناء عمرو بن عامر، ويشيرون إلى ذلك في أشعارهم الشعبية، مع وجود بعض الأختلافات من شاعر لآخر.
يقول الأمير مداوي بن محمد بن أحمد المتحمي في هذا الشأن، من قصيدة طويلة:
ويقول شاعر من عسير، محيياً قحطان ووادعة في أثناء حرب الحدود السعودية اليمنية عام 1353هـ:
شاجع ينعق لقحطان بن عامر
ويَه منا في النسب والجد عامر (15)
ويقول شاعر عسيري آخر:
والصحيح عندي أيضاً، أن عسيراً ليس اسم جد لقبائل عسير، وإنما هو لقب لحلف قبلي يضم قبائل: مغيد وعلكم وبني مالك وربيعة ورفيدة ورجال ألمع ومن حالفهم من قبائل محايل. ونعتقد أن هذا اللقب أطلق بعد ظهور الإسلام بما لا يقل عن قرنين إلى ثلاثة قرون، والا كان ظهر عند المؤرخين قبل الهمداني.
وإطلاق الألقاب على الأحلاف القبلية أمر شائع. وهناك حوادث مماثلة تشير إلى أنه أطلقت ألقاب على تحالفات بعض قبائل المنطقة، فأصبحت تعرف بتلك الألقاب. ومنها أنه عندما قام الخليفة عمر بن عبد العزيز بتعيين عبد الله، حفيد الصحابي صرد بن عبد الله الأزدي، أميرا على ما عرف لاحقاً بعسير، وجد هذا الأمير قبائل مذحج وأحلافهم في حالة تشتت وتفرق وخصام وشقاق، فقام بتوحيدها، في عام 125هـ، وأطلق عليهم لقب قحطان، من باب إطلاق العام على الخاص (17).
ومن ذلك أيضاً، ما كان بين بعض قبائل يام كانوا على حال من فرقة وتشتت، حتى قام حسين السالمي الرفيدي - من نسله حالياً آل أبو ساق- بجمعهم في حلف واحد، وأطلق على هذا الحلف اسم فاطمة، إذ فطم ما بينهم من إحنٍ وعداوات (18).
وإذا كانت ألقاب بعض الأحلاف القبلية تستمر وتشتهر وتقضي على الأسماء التي قبلها، فإن البعض الآخر لا يكتب لها ذلك. ويؤكد ذلك، ما حدث للقب الذي كان يطلق على الحلف القبلي بين قحطان ويام، المعروف بـ "المعضد" (19)، إذ لم يلغ اسمي القبيلتين، مثلما فعل لقب عسير وقحطان وفاطمة.
وبشكل عام، القبائل العربية عامة مكونة من أحلاف، ولا يوجد منها قبيلة ينتسب جميع أفرادها إلى جد واحد. والاختلاف الحاصل في قضية الأنساب يقع عادة في نسب القبيلة التي تحمل اسم الحلف القبلي وانتماءها. ويفصل العلامة ابن خلدون كيف يقع اختلاط الأنساب فيقول:
" اعلم أنه من البيّن أن بعضاً من أهل الأنساب يسقط إلى أهل نسب آخر بقرابة إليهم أو حلف أو ولاء أو ليفر من قومه بجناية أصابها، فيُدعى بنسب هؤلاء ويُعدُّ منهم في ثمراته من النعرة والقود وحمل الديات وسائر الأحوال. وإذا وجدت ثمرات النسب فكأنه وُجد؛ لأنه لا معنى لكونه من هؤلاء ومن هؤلاء إلا جريان أحكامهم وأحوالهم عليه، وكأنه التحم بهم. ثم إنه قد يتناسى النسب الأول بطول الزمان ويذهب أهل العلم به فيخفى على الأكثر. وما زالت الأنساب تسقط من شعب إلى شعب ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية والإسلام والعرب والعجم." (20)
ويوافق ما ذهب إليه العلامة ابن خلدون، قول كبار السن في عسير لوصف اختلاط الأنساب وتحالف القبائل. فإذا سألتهم عن أصول قبائلهم، ردوا عليك بقولهم: " كل ولد من بلد، وليس به أحدٍ شطي من الصفى"، أي أن القبائل متحالفة، وليسوا من جد واحد، وإنه لا يوجد شخص نبت (شطي) من الصخر (الصفى)، يقصدون أنه لا يوجد شخص يكون أجداده منذ خلقت الأرض في نفس الموقع.
وعلى هذا نخلص إلى أن قبائل عسير هي قبائل أزدية وليست عدنانية، وهذا لا ينفي أن هناك قبائل عدنانية، خاصة من قبائل عنز بن وائل، دخلت في قبائل عسير بالحلف والجوار ثم الانصهار. كما نخلص إلى أن "عسير" هو لقب لحلف قبلي وليس اسماً لجد، وأن هذا اللقب لم يطلق على القبائل التي تعرف به حالياً إلا بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بقرنين إلى ثلاثة قرون. أما مصدر هذا اللقب فقد يكون لقباً لعمرو بن عامر، إلا أنه لم يطلق إلا في فترة متأخرة، وقد يكون وصفاً لقوة هذه القبائل، أو وصفاً لصعوبة أرضها.
ولم يقتصر اسم عسير على الحلف القبلي الذي ذكرناه، لأنه استخدم للدلالة على مساحة واسعة من جنوب غرب الجزيرة العربية في فترات مختلفة. فقد أطلق العثمانيون اسم متصرفية عسير على المناطق التي كانت تحت حكمهم من عام 1289هـ إلى عام 1337هـ، والتي تمتد من بلاد زهران وغامد في الشمال إلى بلاد وادعة في الجنوب. كما أن القوى الغربية كانت تطلق على الإدريسي مسمى حاكم عسير على خلاف الواقع. وقد كان هذا الاسم يروق الإدريسي ويستخدمه في تعاملاته الرسمية مع القوى السياسية، إذ كان يتسمى بإمام عسير. وفي العهد السعودي، أطلق هذا الاسم على منطقة أقل اتساعاً، هي منطقة عسير الإدارية الحالية، التي تبدأ من الحدود الإدارية لمنطقة مكة المكرمة ومنطقة الباحة شمالاً إلى الحدود الإدارية لمنطقة جازان ومنطقة نجران جنوباً. ومن البحر الأحمر غرباً إلى حدود منطقة الرياض شرقاً.
ولعل مما يبعث على الطمأنينة، أني بعد فارغي من البحث في نسب عسير، وجدت أثناء تصفح مجلدات مجلة العرب وقراءة ما كتبه علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر حول نسب عسير، أن بعض ما توصلت إليه في ذلك هو الصحيح عند الشيخ حمد رحمه الله. فقد نفى القول بأن عسير ينتسبون إلى عبس بن شحارة بن غالب بن عك بن عدنان، كما ذكر الأشعري، وتبعه بعض النسابين. فقد ذكر الشيخ حمد أن الأشعري يذكر أموراً ليست في مصادر أخرى، إذ لم يجد هذا النسب في مصادر غير الأشعري. ثم قال: "والمعروف أن عسيراً من قبائل الأزد -... شنوءة - وليسوا من عك....". ثم تطرق إلى ما ... أن دار من بحث في نسب عسير على صفحات جريدة (اليمامة) في عام 1378هـ، بين الشيخ هاشم النعمي والأمير تركي بن ماضي والشيخ عبد الله بن علي بن حميد. ثم ختم الشيخ حمد بحثه فقال: "... إنما الغاية الإشارة إلى أن ما ورد في كتاب الأشعري الذي بين أيدينا من نسبة تلك القبيلة إلى عك ليس بين أيدي الباحثين ما يؤيده، لا من النصوص القديمة، ولا من الآراء والأقوال المعروفة بين النسابين في العهد الحاضر.
وليس النص الوارد في الكتاب من الصحة بالدرجة التي تحمل على الاعتماد عليه، فمخطوطة الأصل مشحونة بالأخطاء، وكلمة (عسير) حيثما وردت قد كتبت بصيغة تخالف النطق الصحيح لاسم القبيلة." (21)
ومعنى هذا أن الشيخ حمد الجاسر صحح اللبس الذي قد يحدث عند بعض القراء، إذا ما اطّلعوا على ما ... أن ذكره في كتابه (في سراة غامد وزهران) (22)، حين تطرق للقبائل التي تسكن السروات، فقال: " عنز: سراة عنز .... وهي المعروفة الآن بسراة عسير، نسبة إلى أحد أجداد القبيلة، وهو عسير بن أراشة بن عنز بن وائل - من ربيعة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان- على ما ذكر في كتب النسب القديمة...".
1- الدوسري، شعيب بن عبد الحميد، إمتاع السامر، ص 369-370.
2- المرجع السابق، ص 369-370.
3- النعمي، هاشم، تاريخ عسير في الماضي والحاضر، ط1، ص 4- 5.
4- الماضي، تركي بن محمد، من مذكرات تركي بن محمد بن تركي الماضي عن العلاقات السعودية اليمنية: 1342هـ-1371هـ/1924م-1954م، دار الشبل للنشر والتوزيع والطباعة- الرياض، ط1، 1417هـ-1997م، ص 311.
5- الدوسري، شعيب بن عبد الحميد، إمتاع السامر، ص 286-288.
6- الماضي، تركي بن محمد، من مذكرات تركي بن محمد الماضي، ص 309-310.
7- الأشعري، محمد بن أحمد بن إبراهيم، كتاب التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب، تحقيق الدكتور/ سعد عبد المقصود ظلام، نادي أبها الأدبي، 1409هـ-1989م، ص 116.
8- المرجع السابق، ص 119، الحاشية الخامسة.
9- المرجع نفسه، ص 117.
10- الحربي، علي بن إبراهيم بن ناصر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية: منطقة عسير، الجزء الثاني، أبها، 1417هـ، ص 924-925.
11- الدوسري، شعيب بن عبد الحميد، إمتاع السامر، ص 369-370.
12- العمروي، عمر بن غرامة، قبائل إقليم عسير في الجاهلية والإسلام، ص 57-64. وقد أورد ثمة الكثير من الأقوال في معرض تحقيقه لنسب عسير.
13- مطلع القصيد ورد في المرجع السابق، ص 61.
14- انظر كامل القصيدة في المرجع نفسه، ص 271 -272.
15- روى لي القصيدة صالح بن مانع بن أحمد آل المونس. ويَه منا: واعلم أنه منا.
16- ابن عفتان، عبد الله بن علي، بنو رزام: تاريخ وحضارة، مطابع الجنوب- أبها، 1424هـ، ص 302.
17- العمروي، عمر بن غرامة، قبائل إقليم عسير في الجاهلية والإسلام، ص 197-198.
18- الدوسري، شعيب بن عبد الحميد، إمتاع السامر، ص 85.
19- المرجع السابق، ص 84 و ص 108.
20- مقدمة ابن خلدون، تحقيق درويش الجويدي، المكتبة العصرية- بيروت، ط1، 1419هـ1999م، ص 123.
21- الجاسر، حمد، مطالعات في كتاب: التعريف بالأنساب والتنويه لذوي الأحساب (2)، حول نسب عسير، مجلة العرب، المجلد 26( رجب 1411هـ إلى جمادى الآخرة 1412هـ، ص 390-394.
22- الجاسر، حمد، في سراة غامد وزهران، ص 478.
حقوق النشر محفوظة
ردمك:x- 67-623-9660
0 التعليقات :