على خطى العرب - امرؤ القيس - وثائقي
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الکندي كان شاعرا عربيا جاهليا عالي الطبقة من قبيلة كندة، يُعد رأس شعراء العرب وأعظم شعراء العصر الجاهلي يُعرف في كتب التراث العربية باسم "الملك الضليل" و"ذي القروح".
نشأته
ولد في بطن عاقل في نجد ونشأ ميالا إلى الترف واللهو شأن أولاد الملوك وكان يتهتك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية وهو يعتبر من أوائل الشعراء الذين ادخلوا الشعر إلى مخادع النساء . كان كثير التسكع مع صعاليك العرب ومعاقرا للخمر. سلك امرؤ القيس في الشعر مسلكاً خالف فيه تقاليد البيئة، فاتخد لنفسه سيرة لاهية تأنفها الملوك كما يذكر ابن الكلبي حيث قال: كان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديراً أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح وشرب الخمر وسقاهم وتغنيه قيانة، لايزال كذلك حتى يذهب ماء الغدير وينتقل عنه إلى غيره. التزم نمط حياة لم يرق لوالده فقام بطرده ورده إلى حضرموت بين أعمامه وبني قومه أملا في تغييره. لكن حندج استمر في ما كان عليه من مجون وأدام مرافقة صعاليك العرب وألف نمط حياتهم من تسكع بين أحياء العرب والصيد والهجوم على القبائل الأخرى وسلب متاعها.
وقال ابن قتيبة: هو من أهل كندة من الطبقة الاُولى. كان يعدّ من عشّاق العرب، ومن أشهر من أحب هي فاطمة بنت العبيد التي قال فيها في معلّقته الشهيرة
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقةٌ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
أغرك مني أن حبك قاتلي... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه... قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي... بسهميك في أعشار قلب مقتل
وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها... تمتعت من لهو بها غير معجل
تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً... علي حراصاً لو يسرون مقتلي
إذا ما الثريا في السماء تعرضت... تعرض أثناء الوشاح المفضل
فجئت، وقد نضت لنوم ثيابها... لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فقالت يمين الله، ما لك حيلةٌ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي
خرجت بها أمشي تجر وراءنا... على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل
كان لموت والده حجر على يد بني أسد أعظم الأثر على حياته ونقلة أشعرته بعظم المسؤولية الواقعة على عاتقه. رغم أنه لم يكن أكبر أبناء أبيه, إلا أنه هو من أخذ بزمام الأمور وعزم الانتقام من قتلة أبيه لإنه الوحيد الذي لم يبك ويجزع من إخوته فور وصول الخبر إليهم. يروى أنه قال بعد فراغه من اللهو ليلة مقتل أباه على يد بني أسد: ضيعني صغيرا, وحملني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا. اليوم خمر وغدا أمر أنشد شعرا وهو في دمون (واد في شرق اليمن) قال فيه.
تطاول الليل علينا دمون * دمون إنا معشر يمانون
وإنا لأهلنا محبون
فلبس رداء الحرب في اليوم التالي وإتجه صوب بني أسد فخافوا منه وحاولوا استرضاءه إلا أنه لم يرض وقاتلهم حتى حتى أثخن فيهم الجراح وفاحت رائحة الجثث. وذكر الكلبي: أن امرأ القيس أقبل براياته يريد قتال بني أسد حين قتلوا أباه، فمر على تبالة وبها ذو الخلصة (صنم من أصنام العرب) وكانت العرب تستقسم عنده، فاستقسم فخرج القدح الناهي، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك، فكسر القداح وضرب بها وجه ذي الخلصة وقال: عضضت بأير أبيك لو كان أبوك المقتول لما عوقتني. ثم أغار على بني أسد فقتلهم قتلا ذريعا. ويروي اليعقوبي أن إمرأ القيس قصد بني أسد في أول الأمر ولكنه أوقع بــقوم من بني كنانة فصاح قائلا: " ياللثارات" مزهوا بما ظنه ثأرا من قتلة أبيه. فأجابه القوم: " والله ما نحن إلا من كنانة ". فأنشد قائلا :
ألا يا لهف نفسي، بعد قوم***هم كانوا الشفاء، فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبيهم * وبالأشقين ما كان العقاب
وأفلتهن علباء جريضاً * ولو أدركنه صفر الوطاب
وحينها أنشد قاتل أبيه عبيد بن الأبرص الأسدي قائلا :
يا ذا المعيرنا بقتل*** أبيه إذلالاً وحينا
أزعمت أنك قد قتلت*** سراتنا كذباً ومينا
هلا على حجر بن أم*** قطام تبكي لا علينا
إنا إذا عض الثقاف*** برأس صعدتنا لوينا
نحمي حقيقتنا، وبعض*** القوم يسقط بين بينا
وفي هذا يقول أيضاً في قصيدة له طويلة :
يا أيها السائل عن مجدنا * إنك مستغبى بنا جاهل
إن كنت لم تأتك أنباؤنا * فاسأل بنا يا أيها السائل
سائل بنا حجراً، غداة الوغى * يوم يؤتى جمعه الحافل
يوم لقوا سعداً على مأقط * وحاولت من خلفه كاهل
فأوردوا سرباً له ذبلاً * كأنهن اللهب الشاعل
وإتجه إمرؤ القيس إلى اليمن، وأقام بها زمانا يطلب مددا من قومه. فجمع جمعا من حمير ومذحج أمده بهم الملك ذي جذن الحميري. فأتجه صوب بني أسد بذلك الجمع وانتقم من قاتل أبيه وذبح عمرو بن الأشقر سيد بني أسد. حينها أنشد الشاعر قائلا مزهوا بنصره :
قولا لدودان نجد عبيد العصا * ما غركم بالأسد الباسل
قد قرت العينان من مالك * ومن بني عمرو ومن كاهل
ومن بني غنم بن دودان إذ * نقذف أعلاهم على السافل
نطعنهم سلكى ومخلوجة * لفتك لأمين على نابل
إذ هن أقساط كرجل الدبى * أو كقطا كاظمة الناهل
حتى تركناهم لدى معرك * أرجلهم كالخشب الشائل
حلت لي الخمر وكنت أمرأ * عن شربها في شغل شاغل
فاليوم أسقى غير مستحقب * إثما من الله ولا واغل
لم تكن حياة امرؤ القيس طويلة بمقياس عدد السنين ولكنها كانت طويلة وطويلة جدا بمقياس تراكم الإحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الإبداع. لقد طوف في معظم إرجاء ديار العرب وزار كثيرا من مواقع القبائل بل ذهب بعيدا عن جزيرة العرب ووصل إلى بلاد الروم إلى القسطنطينية ونصر واستنصر وحارب وثأر بعد حياة ملأتها في البداية باللهو والشراب ثم توجها بالشدة والعزم إلى أن تعب جسده وأنهك وتفشى فيه وهو في أرض الغربة داء كالجدري أو هو الجدري بعينه فلقي حتفه هناك في أنقرة في سنة لا يكاد يجمع على تحديدها المؤرخون وان كان بعضهم يعتقد أنها سنه 540م، وقبره يقع الآن في تلة هيديرليك بأنقرة[4].
لقد ترك خلفه سجلا حافلا من ذكريات الشباب وسجلا حافلا من بطولات الفرسان وترك مع هذين السجلين ديوان شعر ضم بين دفتيه عددا من القصائد والمقطوعات التي جسدت في تاريخ شبابه ونضاله وكفاحه. وعلى الرغم من صغر ديوان شعره الذي يضم الآن ما يقارب مئة قصيدة ومقطوعة إلا أنه جاء شاعراً متميزاً فتح أبواب الشعر وجلا المعاني الجديدة ونوع الإغراض واعتبره القدماء مثالا يقاس عليه ويحتكم في التفوق أو التخلف إليه.
ولذلك فقد عني القدماء بشعره واحتفوا به نقداً ودراسة وتقليداً كما نال إعجاب المحدثين من العرب والمستشرقين، فأقبلوا على طباعته منذ القرن الماضي، القرن التاسع عشر في سورية ومصر وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان التي تهتم بشؤون الفكر والثقافة.
حقوق المقال والنشر محفوظة
لــ ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
حقوق الفلم محفوظة لقناة العربية
0 التعليقات :